الاثنين، 22 مايو 2017

هشيم... بقلم / المنجي حسين بن خليفة .. تونس......صفوة الكُتَّاب العرب

قرأتُ كلّ كلام اللّوم في عينيها، سمعتُ صراخا، سمعت دويّا، رأيت الأنوثة فيها تذوي كغيمة اعتصرتها دموع السماء، رأيت شحوبا يزحف على احمرار الخدود، يحيلها بعد الشروق غروبا حزينا.
قرأتُ كلّ لغات ملامحها وهي تهتك ستر خمولي، وتفضح سرّ انهزامي الغريب، تجتاحني أمواج من خوف تهزّني هزا، أخاف أن تفتح نوافذ صمتها: أين أنت يا زوجي؟ أراك أمامي وكلّ ما فيك يزداد كلّ يوم غيابا، أرى زرعك المخضرّ قبل موسم الحصاد تبنا تذروه الرياح، أرى نارك الحارقة بشوق الحنين استعارت من الثلج خمول الصقيع.
أفرّ منها إليّ، لعلّي ألقى جوابا يبرّر انكسار مرايا الحياة في داخلي ، رأيتني كذاك المسافر حين يمرّ الطريق من تحت أقدامه، ورفقته: خوف، وزاد قليل، وجهل بما خبّأته مجاهل هذا الطريق، جالت خطاي في أزقّة نفسي الحزينة، بالأمس كان هنا ركن للأمنيات الجميلة، وشعر للعشق أردّده إذا عانقت عيني سحر العيون، وتاهت الروح لحدود الجنون، كانت معي كسماء الربيع تزداد في كلّ يوم صفاء، تزداد بعد كل اللقاء نقاء، أداعبها بشعر عذريّ، رومانسيّ، حفظته منذ الصبا، ولكنّ هذا الرماد اللّعين لأخبار هول المجازر، وهول الدمار، وهول التشرّد صيّرني أعشى في هذا الضباب الكئيب. هنا كان ركن للأمنيات البعيدة، لحلم رسمته بلون الفرح، لكنّ صورة بياض خيام شعب مشرّد تجاوزت كلّ المعاني، تجاوزت كلّ الحدود، وصورة رقاب الشباب تداس تحت حذاء الجنود، صيرتني كائنا مهشّما لخمسين جزءا، فماذا تنتظرين حبيبتي من هذا الهشيم؟
أحاول منها اعتذارا، ولكن في هذا الزمان القميء لم نلق قشّة تنقذنا من دخان التقاتل حين يلتفّ حولنا كالحبال، ونغرق في عصر انكسار الجمال، فيصبح الكلام في العشق ثقيلا، كثقل الجبال.
في هذه المساء اقتربت زوجتي مني، أراها ستهدم أسوار صمتها، ماذا أقول إذا سألتني عن سرّ خمول مشاعري بعد اتقاد، أأكشف سرّ انهزامي، أم ألبس أسمال رجولة هذه الزمان؟
قالت: اعذرني زوجي الحبيب، إذا ما مشاعري نحوك بالأمس كانت ربيعا، واليوم تراها صقيع الشتاء، أعذرني إذا ما الأنوثة فيّ أصبح داء، فالحب في هذا الزمان شيء غريب، بذور الكراهية في أرضنا نمت وربت، وصوت الحبّ من هول ما رآه سكت.
فقلت لها: معذرة حبيبتي، كلّنا في هذا الوطن هشيم...هشيم...