الأحد، 27 سبتمبر 2015

قصة قصيرة/خاطرة ............ لبوراوي عجينة. تونس............ صفوة الكُتَّاب العرب

باقةُ أغانٍ
دلفتُ إلى قاعة مسرح فارغة، على أطراف أصابعي، فألفيتُ ثلّة من الشّبّان قد تجمّعوا على ركح صغير، في شكل نصف دائرة تحت ضوء فوانيس كاشفة، وهم يتمرّنون على العزف.
انزويت في ركن مظلم وحدي وجلست على مقعد، مرهفا السّمع ناظرا بعين المحبّة: رأيت فتاة في ريعان الصّبا تتقدّم لابسة سروال «دجينز» ضيّقا، وقميصا أبيضَ مزهرًا، وأخذت ترفع صوتها بالغناء، تحت رعاية مدير فرقة هاوية، وهو يمسك بعصيّة رقيقة تنظّم الإيقاعات.
اصّاعدتْ نغماتُ الآلات وآهاتٌ ومواويل وأغنيات قديمة، ليّنة كالحرير، مزخرفة كحواشي ثوب ثمين، رائقة كماء السّلسبيل.
انشرحت النّفس ورفرفت. حدّقتُ مليّا وأرهفت السّمع غير مصدّق ما يحدث أمامي: أما زال يوجد اليوم من يؤمن بالفنّ الخالص ويهواه إلى حدّ التّماهي والانصهار؟
تأمّلت راضيًا انبعاث ورود ورياحين من فم الفتاة الـمُغَنّية الـمنفعلة، وتصاعدت حبّات فلّ وياسمين من آلات العزف الـمصاحبة. علا الكلّ في الفضاء الشّاسع، سبح ردحا من الزّمن بين الجدران العالية ثمّ تجمّع وحطّت بين أحضاني باقةُ أغانٍ فائحةٌ.