السبت، 28 نوفمبر 2015

حبة مطر.......... بقلم علي الشافعي..........صفوة الكُتَّاب العرب

على مقبض الباب وضع يدا ارعشها الزمن , فتح الباب بهدوء وخطا خطوتين متثاقلتين نحو الخارج , يتكئ على عصا متهالكة , تساعد رجلين ترتجفان من وجع السنين , اغلق الباب بهدوء كي لا يوقظ العائلة , وهو يقول : اصبحنا واصبح الملك لله . اخذ يرقب حبات المطر النديّة وهي توشوش اورق الشجر , وتلامس الارض برقة وحنان , وتحجب الشمس التي اشرقت قيل لحظات . تعبت رجلاه فجلس على دِكّة امام البيت , ملتحفا بردة اختفت معالمها من تتابع الايام . رفع نظره الى السماء فسقطت حبّتا مطر في محجري عينيه , تمتم : وحتى انت يا مطر , الا يكفي ما يستقبلان من العينين . صوب نظره جهة الغرب وتمتم : متى يا رب ؟ لقد طال الزمان , وحم الشوق غيض الصبر . لا ابغي سوى ان ادفن هناك , طأطأ الراس واغمض جفنيه , فذهب به الفكر, فشرق وغرّب , وقف هناك , حيث ملعب الطفولة ومدرج الصبا والشباب , تذكر موسم الحصاد , ودرْس الغلة , ابتسم وهو يرى نفسه يافعا فوق لوح الدراس الذي يجره الحصان ؛ لتكسير القش واخراج الحب من سَّنابله , ثم فصله عن القش وجمع الغلة وتخزينها , وكذلك مواسم الزيت والزيتون والمعصرة وتلال الجفت ( مخلفات عصر الزيتون , تستخدم عادة للتدفئة) , وصعود الجبال ونزولها لجمع الزعتر البري والميرمية والكمأة في موسمها . تهللت اساريره عندما مرت على خاطره ذكري اختيار الاهل ل(ام العيال) , ثم الخِطبة , والعرس الذي تحدث عنه القاصي والداني اياما طويلة . تذكر الفرحة الكبرى التي عمّت البيت الكبير بقدوم الحفيد الاول للعائلة , و .... اكفهرّ وجهه وغاصت الابتسامة وهو يتذكر النكبة , سقوط البلدة في ايدي اليهود المحتلين عام 48, دمعت عيناه وهو يتذكر الحرائق التي شبت في كل ركن من اركان القرية جراء القصف العشوائي , حيث احرق الاخضر واليابس , دمروا البيوت , وقتلوا عددا من شبابها على اعين الناس , وتشرد الباقون , تذكر من الشهداء ابن ابو العيد ؛الذي اصابته قذيفة فقصت راسه , ومشى قرابة خمسين مترا بدون راس , ومحمد الدايخ وحسين ابن ام امبارك وغيرهم رصّتهُم قوات الاحتلال على سور المدرسة وقتلتهم بدم بارد . دمعت عيناه وهو يتذكر رحلة العذاب الى حيث استقر به المطاف , بعد ان القى عصا الترحال في احد مخيمات الشتات . ثم معاناة البحث عن لقمة العيش , والامل بالعودة الذي اخذ يتلاشى شيئا فشيئا بعد نكسة عام 1967 , ثم تجدده ابان مفاوضات السلام ثم تلاشى اثر تعثرها , اه على يوم من تلك الايام لا اطمع في المزيد و... تنبه على صوت حفيده يهزه : (سيدو اصْحَ , انت غرقان ) . طبتم وطابت اوقاتكم .