الخميس، 14 يوليو 2016

نشوة الصمت.......... لــــــــ بدر بشير بن خيال ............صفوة الكُتَّاب العرب

كانت الشمس تتلألأ على جانب الأفق البعيد ، وضؤوها الوهاج يخفت شيئا" فشيئا" حينما جلست على القمة العالية التي تشرف على الوادي . وكانت التلة التي تنبت بها بعض شجيرات { الورد } الأحمر الذي ينتشر عند أطرافها بسوقه ذات الأفرع الشائكة وأوراقه المركبة تبدو للرائي لحظة الغروب مثلما لوحة حية أختلفت على تفاصيلها آشعة فنان أصيل فتحولت لما يشبه أحاديث مسلسلة أسترسلت من الغيب إلى أن دخلت إلى قلبي مثلما الصمت الذي طالما أنار الطبيعة الحية ، وأنار السماء ؛ ذلك الذي تتكشف عنه الحجب ، وتسقط الأستار فلا يملك من يحسه إلا أن يسجد ويخشع ويبتهل لذلك الذي لاتحده الأقطار ولا يحتويه الوقت ولا تعبر عنه الألفاظ ..؛
لقد أحسست وأنا أرنو إلى أسفل الجبل بعاطفتي المرهفة وكأنما قد أمحت _ فجأة _ وأن تلك الأفكار الساذجة التي دفعتني لأن أخرج هائما" على وجهي قد بدأت تذوي ، وتذوب ، الواحدة تلو الأخرى ، فهذه الأمكنة الخالية _ أو الأجواء المفعمة بكل ما هو غامض _ والتي جعلتني أسرع مع التفاصيل الصغيرة الفائقة الجمال التي تغمرني كلما توغلت في المسير بالدهشة والحماسة والإنجذاب ؛ تلك التي كلما تفرست بها كلما خلتها ذلك الجزء الذي لايمكن له أن ينفصل عن هذه الذات التي أحملها في داخلي ..؛
تلك الذات الخفية الجارفة التي لا أعدو بكل ما في تركيبتي الخارجية مما هو من حاسة السمع أو مما هو من حاسة النظر أو مما هو من حاسة الشم
أو مما هو من حاسة الذوق أو مما هو من حاسة اللمس إلا أن أكون مظهرها _ أو أثرها _ الذي ليس من مظهر _ أو أثر _ لها غيره ؛ أو أداتها الطيعة التي تدفعني _ دوما" _ لأن أستأنس بهذا الوجود الذي يحوطني بروعته فأسعد بصحبته وأنعم بجلاله وأستمتع _ في أحضانه _ بتلك المشاعر الراقية النزيهة التي عادة ما تراودني كلما أعتزلت غيري من الناس ، أو كلما ألتجأت إلى البرية المقفرة لأنفرد مع نفسي . ثم نظرت إلى السماء الصافية التي بعثت في أعماقي من المسرة النقية _ الهادئة _ التي لا تخالطها الأغراض ، والتي لا يشوبها من أعراض الحياة المادية التي أمقتها شئ يذكر فبدت لي _ في تلك اللحظة _ مثلما قبة زرقاء متسامية ما أنفكت ترسل من أنوارها على الأرض إلى أن تسيل على المنخفضات الضيقة أو السهول الواسعة العريضة المنبسطة أو الهضبات المتحدرة والتي قد ترتفع _ من جوانب أخرى _ في ميول خفيفة لا يمكن أن تدرك في سهولة أو الصدوع الصخرية التي تندفع منها شلالات هابطة ، فتمنحها من تلك الروح العلوية البالغة الشفافية ما من شأنه أن يهزني ؛ بل ما من شأنه أن يلهبني بتلك الرقة التي لم أعهدها ، وبتلك العذوبة الناعمة التي _ وإن لم أتمكن من وصفها _ إلا أنها أشبه ما تكون في نشوتها العارمة بذلك الفرح الطفولي الذي لا يمكن لحماسته أن تهدأ ..؛ وتهبها من حرارتها _ أو من دفئها _ ما من شأنه أن يحرك في قلبي من ذلك التصور المبهم الذي لا أكاد أفهمه ما يجعل من هذه الكلمات العجيبه التي تخرج من شفتي مثلما غمغمة شهية لا معنى لها ، لكنها لم تكن _ في تلونها مستمدة من فكري ولا من خيالي ! .