الأحد، 10 يوليو 2016

مني وإلي .......... بقلم / بدر بشير بن خيال .......صفوة الكُتَّاب العرب

حينما فارق محبوبي هذه الدنيا الزائلة لم أكن موجودا" ، ولم أكتشف ذاتي بعد ..، وها أنا ، وبعد أربعة عشر قرنا" ، أي بعد ألف وأربعمائة سنة كاملة وبعدد ما فيها من الأشهر ومن الأسابيع ومن الأيام ومن الأوقات ومن اللحظات أذكره فتبرق ملامحه وفي قوة خارقة فترتسم أمامي طلعته البهية المشرقة التي يجتمع فيها الحلم إلى الخيال إلى الحقيقة إلى اليقظة ..؛ ها أنا ، وفيما أنا عليه من الذهول ومن النشوة ومن الفرح ومن الحشمة ، ومن ذلك المحيا الذي تعجز كل لغات العالم أن تنقل أسرار مودته ..؛ ها أنا أنظر إلى الفصول المتعاقبة ، وإلى الليل كلما أعقبه نهار ، وإلى النهار إذا ما أعقبه الليل ..؛ ها أنا أقف وسط ذلك كله دونما صوت أو حركة لذلك الذي بهر قلبي وروحي وأستحوذ على فكري ؛ ذلك الذي كلما آضاءت له نفسي التي هي أحب وأكرم ما في إلي كلما أختلط علي الأنفعال بالجذل ، وكلما أمتلأت أعماقي بالضراعة والفرح والدموع ..؛ ها أنا ألخص كل أيامي ، وأختصر مجمل وجودي ، فأقول : إني لم ألفظ كلمة ، ولم أنظر نظرة ، أو أخطو خطوة ، ومن كل ما هو سام ، ونزيه ، ومن كل ما هو راقي ، وصادق ، ومن كل ما هو طيب ، وجميل ، إلا في سبيله ..؛ إن الأشجار المورقة تزداد ___ وكلما فكرت به ___ إخضرارا" إلى إخضرار ..؛ والسماء الساطعة يرتفع تألقها وتسمو آشعتها التي تتوهج بالحرارة وبشكل ليس له من مثيل كلما نطقت بإسمه البديع ..؛ والغيوم الرقيقة ، أو السحب التي تنبثق _أو تظهر _ في وسط الفضاء على شكل سنديانات محلقة في الهواء ، فهي تبدو لي __ وكلما هزني الشوق إليه ___ مثلما أذرع شفافة تهم ____ وفي كل حركة من حركاتها البالغة الروعة __ بمعانقتي ، بل وضمي إليها .
أما الأفق الأزرق ؛ أما ذلك الوميض الذي عادة ما يعقبه تساقط رذاذ خفيف ، فهو _ وكلما تراءت لي ملامحه الربانية ، فهو الذي يجعلني أتساءل وفي سعادات غامرة ليس لها من حدود أو قيود : هل لي أن أقفز عبر الزمن المتناهي الذي لا يمكن أبدا" أن يرجع إلى الوراء أو أن يعود إليه ؟! هل لي أن أصل _ وبفرط محبته _ إلى تلك القمة ، أو ذلك المركز ، أو تلك الزاوية التي هي أعظم وأرفع وأسمى ما في هرم _ أو مثلث _ الإنسانية _ وعلى مر العصور والأحقاب _ إلى ذلك الذي يستوي عنده الماضي بالمستقبل ويستوي عنده الأول بالآخر وتستوي عنده البداية بالنهاية ؟!
إنها اللمحة الخاطفة ، والأشارة المرهفة ، التي جمعت _ وفي خاطرة أو في لحظة إلهام _ كل العناصر ، حيث لا فرق فيما أراه أو فيما أسمعه مابين { الضوء } أو { التراب } أو { الماء } أو
{ النار} أو { الهواء } إلا وكما يكون ذلك الفرق الوهمي _ أو الأختلاف الذي لا وجود له _ ما بين عقرب الساعة وهو يعد الثواني أو الدقائق أو الساعات والذي نبصره ونتصنت إليه ونتحقق منه ، ومابين تلك الألوان التي نطلق عليها إسم الزمن والتي ليس لها من صلة في الواقع إلا مع حركة الأرض حول نفسها ومن حركتها من حول الشمس التي هي مركزها ونواتها وأساس حياتها ..؛
تلك التي لو توقفت عن دورانها لما كان ثمة ألوان أو ثمة زمن أو ثمة ثواني أو دقائق أو ساعات ..؛
إن المشاعر الجمة التي تراودني إذا ما خرجت في الليالي الصافية التي عادة ما أستأنس لها ، أو كلما وقفت متدبرا" مع كل شروق جديد ، أو مع كل غروب ..؛ أو كلما نظرت إلى قطرة ماء ، أو نبتة ،
أو زهرة رائعة ..؛
إن ذلك الذي لا بد وأن يكون قد عايشه وتفاعل معه يبدو لي وكلما تصورت ذلك أكثر غبطة وأعظم في جماله وبهائه وفي حلله الربانية من كل الكلمات ، بل ومن كل متع الحياة التي تذهب وتمحى وإلى غير رجعة ..؛ فيا آشعة السماء التي تتماوج في سكينتها وفي هالتها التي عادة ماتتوج الجرف وتهيم على تلك الظواهر الجبلية البالغة الأنكسار والتي تبعث في قلبي من تلك الإثارة العجيبة ماليس له من حدود ..؛
يا أيتها الهضاب التي إذا ماهبت النسائم المعتدلة عليها وأثارت الغبار أو حركت أفرع الشجر أو نثرت الأوراق تجعلني أعظم تطلعا" إلى ذلك الذي أكبر من كل ماعداه ..؛ يا أيتها الأنوار التي أحسسها وفي أعمق أعماق ذاكرتي مثلما القرون المتطاولة التي قد تختصرها دورة الفلك ، أو مثلما الوحدة التي لايمكن أن تتجزأ ، أو اللمحة التي لا يمكن أن تتحلل ، أو البسمة النبوية التي لا يمكن أن تعين أو أن تحدد أو أن تبين ، أو مثلما الجمال الذي لا يمكن أن يفصل أو أن يقدر أو أن يقيم ..؛ إنك ذلك كله ، بل إنك مثلما الخلود ، أو الدوام ، أو الأزل ، الذي لن يكون للزمن عليه سلطان ، ولن يكون للضوء أو للظل فيه حيز أو مكان ..؛ إنك رسالتي إليه ؛ إن ذلك السر الذي كلما أنبعث من الشمس ، وكلما تفرق ذهب إلى ذلك المدى الأوسع وفي كثير من الضوء
{ الأحمر } و { الأصفر } والذي كلما بدأ ينفذ
_ مباشرة _ من خلال الجو كلما جعل من السماء المتعالية تبدو على ما هي عليه ، وكلما أضفى عليها من تلك الزرقة ما هو أسمى وأرق وأجل من كل ماقد يتذوقه الأنسان ومن كل ماقد يتوهمه ومن كل ما قد يخطر له على بال