الأحد، 24 يوليو 2016

أكبر الإمتحان........ بقلم / بدر بشير بن خيال .......صفوة الكُتَّاب العرب

مهداة إلى إبنتي
(مريم )
التي لم تكن قد بلغت
العشرين من عمرها
حينما قلت لها يوما" :
< الإبنة أكبر إمتحان
لأبيها ، وأغلب الأباء
- بل كلهم - لم يدركوا
ذلك > . فأخذت القول
على محمل الجد ،
وأرتسم ذلك على
ملامحها الهادئة .
__________________________________
إن إبتسامتك الرزينة ( وسط آلآم المرض )
وقد شعت بأنوار لا يمكن أن يفهمها سوى القليل من صفوة البشر وأخيارهم أذهلتني ، حتى أن دموعي التي لم تكن لتسقط على الأرض تجمعت مثلما هيئات بخارية من ماء نقي أحتواها الهواء فأحاطت بي من كل مكان ؛ ثم أحسستها ثقيلة - بل متكاثفة - لكنها هبطت على قلبي الذي لم يكن جافا" ، فأثلجته !
فهل لألوان الفجر الخفاقة بروائح القرنفل حينما يزدهر في أحضان الطبيعة التي تناطح السحب ؛
هل للخلاء المعمور بتلك الأسرار الإلهية والأشبه
- في نفسي - برنين بعيد الأثر ، أن يحقق أمنيتي كي أعاني - ومن أجلك - أضعاف ما أعانيه ؟!
هل لمخيلتي الواهمة - والعاجزة عن الشعر -
أن تصل بي إلى لذة التكامل الذي يفوق - ببركته - دلائل العطف المصطنع ، حتى أتجاوز ملامح الإهتمام العابر الأقرب ما يكون إلى تحية خاطفة يتبادلها إثنان - في ذهول - ثم يأخذ كل منهما سمته ويذهب إلى حال سبيله ؟!
إن تنوب الجبل الذي يخترق بفرجاته المتلامحة أستار الصمت ؛ وأزهار الشوكران العطرية البيضاء الصغيرة المحمولة في خيمات على سوقها الخضراء المجوفة والمنقطة بالأحمر ، تلك التي أستخدمها قدماء الإغريق لإعدام المجرمين من أمثال الفيلسوف الشهير سقراط !! وشجرة المانوليا الدائمة الخضرة التي تزين السفوح بأوراقها الجلدية وورودها الناصعة الكبيرة ..؛ أو المداخل المستقيمة الضيقة الجوانب والعظيمة الإنحدار التي تجري فيها سلاسل الجبال وهي تقترب من الشواطئ فيغمرها البحر ؛
أو الرياح التي تزمجر مثلما قوة غامضة لا يعلم أحد من أين تأتي ولا إلى أين تذهب ؛ أو الأقاليم الموحشة ذات السهول المتعرجة ، الجافة ، التي
لا تهدأ فيها العواصف ، كتلك الواقعة في أقصى الجنوب من أمريكا الجنوبية والتي تعرف بأسم
( أرض النار ) والتي يقطنها الهنود - الأشد بدائية - من وصفهم تشارلز داروين بأنهم : < من أكثر من لقيت بين الناس تعسا" وفقرا" ، وأن المرء لايستطيع
وهو يرى مثل هؤلاء القوم أن يحمل نفسه على أن يصدق أنهم بشر مثلنا ،وأنهم من سكان هذا العالم > ...؛ كل ذلك يخلصني من شواغل الحب التي لا تدل إلا على ضعف القلب ووهن الفكر وحقارة المشاعر إذ تجتذب صاحبها إلى نوع من الجمال الذي يدلهه ولا يراه ، ويتمثله ولا يخترقه ..؛ كل ذلك - وأنا في خلوتي الباكية -إذا ما أرخى الليل سدوله على الكون إلا من جملة الفضآء الذي يمتد ما بين النجوم - أو تلك النقط - التي تتلامع في حزمة الضوء العريضة - أو الطريق اللبني - الذي أبصره في الليالي الصافية ؛ كل ذلك يدفعني - وأنا أنظر إلى جانب المجرة البعيد - لأن أتساءل : كيف أصل - وعن طريقك - إلى روعة الفكر ؛ أو كيف لي أن أتفوق على مشاعر المهانة أو الفاقة أو الهزيمة التي عادة ما ترتبط بمثل هذا الإبتلاء ؟! كيف لي أن أصل لما أبحث عنه -- دون أن أتمثله -- ليكون العوض عن الطرب أو عف المسرات أو عن السعادات الأخرى التي لن يكون لها ثمة وجود ملموس ؟! كيف أصل إلى ذلك الذي طالما فتش عنه الفلاسفة والعلماء والمفكرون والأدباء والشعراء والحالمون دونما
جدوى ؟!
إن الأنفاس العجيبة وهي تملأ - برحابتها - الأفق البعيد إذ تعانقني من كل جهة ؛ والنسائم الهابه حين تمس خيوط الشمس المذهبة ولا تتأثر بها ؛
إنما تشكل - في معايشتي لك - مساحات روحية مكشوفة ، لكنها بالغة الكبر ، حتى لكأنها أعمدة غازية كتلك التي أنبعثت - دوما" - من أوراق النبات وقد أمتصتها جذوره من طبقات التربة العميقة المظلمة لتصير جزءا" مميزا" من ذلك التخلق حين يرتفع - بل يسمو - وهو في دفئه وسطوعه الذي - وإن كنا نطرب له - فنحن لن نتمكن أبدا" من رؤيته
أو من الأستحواذ عليه أو من الأمساك به !!
* * *
درنة / 25 مايو 2016 م .