الأحد، 28 فبراير 2016

نقيب البؤساء............ لـــــــــــ سليمان شلتوت المحامى ...........صفوة الكُتَّاب العرب

كان عبد الحميد قد ولد فى أسرة تعانى فقرا مدقعا ، اذا وجدت طعامها فى الصباح لا تجدة فى المساء ، لكنة حفظ القرأن الكريم فى طفولتة ، ثم التحق بالأرهر الشريف طالبا للعلم ، ثم أكمل دراستة فى دار العلوم ، وهام بة الأسى والبؤس حتى كأنة عبلة والبؤس عنتر ، كان عبد الحميد عبقريا وموهوبا ، لكنة كان يعانى " بؤسا عبقريا " أحاط بة منذ لحظة ميلادة الأولى حتى لحدة ،فهو الجائع الذى لا يجد طعاما ، وهو الذى اذا مرض لا يجد الدواء ، وهو الذى اذا اتسخ قميصة يقلبة على الوجة الأخر وكذا بنطلونة ، وهو الذى عاش حياتة تنغلق فى وجهة كل الأبواب ، ذاق الجوع وتجرع ألامة المريرة ، لدرجة أنة كان ينام ليالى عمرة على الأرض الجرداء لا يعرف فراشا ولا وسادة ، بل وفى أكثر الأيام بلا غطاء أيضا ، عانى عبد الحميد الفقر والحرمان بأبشع حالاتة ، وقدساء ظنة فى العباد جميعهم فأجمع أمرة فى العداء ، فنسى اسمة وحظة والليالى وعاش على التوهم والخيال ، فساقتة ظروفة القاسية الى ادمان الكوكايين الذى ساقة الى السجن ، ولما أراد أن يعالج نفسة من الأدمان لم يجد غير مستشفى الأمراض العقلية ، فقضى بها بضعة أشهر حتى شفى مما ألم بة ، وخرج الى الحياة واضطرتة ظروفة القاسية هذة المرة الى أن يتزوج من امرأة بائعة بسوق الخضار كى تصرف علية ، وبرغم فارق السن والمستوى العلمى الشاسع بينة وبينها فأنة أراد أن يدفع بها عن نفسة ألام الجوع ومخالب البرد ، وبرغم ذلك فلم تمكث معة الا عدة شهور حالت بينة وبين الجوع ، الا أنها أذاقتة صنوفا أخرى من العذاب النفسانى الذى فاق عذاب الحوع ، طال حنين عبد الحميد الى الغنى فالكل جهل يومة ولن يكرموا غدة ويا حر قلبة من شقائة فى أمسة ، فأضطرتة ظروفة هذة أن يمتدح ذوى الجاة والسلطان الذين كان ينفر منهم ، الا أنة كان يفعل ذلك تحت وطأة الفقر والجوع والحاجة ، فقد وصل بة البؤس درجة جعلتة يشك فى وجودة فيقول أخلقتنى يارب أم أنا واهم أنا ما خلقت لأننى لا أرزق ، كان حلم عبد الحميد أن يجد حجرة يستتر فيها بدلا من التسكع فى الطرقات ، وعلى دكك المقاهى والمساجد ، وأحيانا على الأرصفة ، وتحققت لة أمنيتة هذة على يد دجال مشعوذ ، فعمل مساعدا لة ، يستقبل زبائنة ، ويمتدح الشيخ أمامهم ، ويسرق منهم أخبارهم ثم يسربها الى الدجال ... وهكذا ، تعرف على أحد زبائن ومريدى الشيخ ووعدة هذا الذائر بمكافأة بتحقيق أغلى أمنية لة فى حياتة وهى " وظيفة " ، حيث كان هذا الذائر من ذوى الجاة والسلطان ، وبالفعل حقق لة أمنيتة، لكنهم طلبو منه مسوغات التعيين ، ولم يكن لدية شئ فهو ان كان يحمل مؤهل فهو الجوع والعطل ، ثم تدخل هذا الذائر واستطاع اعفاؤة من المسوغات واستلم عملة لكنة فوجئ بأن ليس لة مكتب ، ولا حتى كرسى يجلس علية ، بالأمس كان مشرد أهليا وهاهو اليوم وبعد استلام عملة أصبح مشردا رسميا فخاطب المسئولين ، وحينما تحقق لة ما أراد ، وأصبح لة مكتب وكرسى ، مات عبد الحميد نقيب الؤساء .
** - لم يخلق الحزن الا فى جوانحنا .......... ولا المدامع الا فى مأقينا
- لو ذاق هذى الورى معشار محنتنا .......... ما فارقوا عيشهم دنيا ولا دينا
- أفى حجرتى يارب أم أنا فى لحدى .......... ألا شد ما ألقى من الزمن الوغد
- لكم كنت أرجو حجرة فأصبتها .......... بناء قديم العهد أضيق من لحدى
- ترانى بها كل الأثاث ، فمعطفى .......... فراش لنومى أم وقاء من البرد
- أما وسادتى بها فجرائد .......... تجدد اذا تبلى على حجر صلد
- تساكننى فيها الأفاعى جريئة .......... وفى جوها الأمراض تفتك أو تعدى
- أنا الغريب على الدنيا فعالمها .......... أعدى عدوى يهجونى وأهجوة