الجمعة، 26 أغسطس 2016

الة لزمن 1.............. لـــــــ القدير / عبد السلام على........صفوة الكُتَّاب العرب

صديقى" فيلون بكر" ...اتهمه الناس بالسفه والجنون بالرغم من أنه تخرج من كلية العلوم وكان عالما فذا ...فقد أدعى أنه يمكنه اختراع ما أسماه " الة الزمن"... و ادعى أيضا أنها الة تمكن الانسان من أن يتجول فى الأزمنة والعصور المختلفة ...فيمكن للانسان أن يعود بها الى أعماق الماضى التليد أويذهب بها الى أبعد اغوار المستقبل ...هذا على حد زعمه .....
لذلك اعتزل فى منزله وحيدا ...وكان يقيم طوال الوقت فى معمله ...
كنت أنا الشخص الوحيد الذى يتردد عليه ويتحدث اليه ... كثيرا ما كنت أبتاع له ما يطلبه منى من طعام او شراب او أى شىء ...فى المرة الأخيرة أخبرنى أنه قد شارف على الانتهاء من الته تلك ...ضحكت بصوت عال وأنا أقول له :" أما زلت تحلم بالة الزمن ...يا رجل دعك من هذا وعش حياتك ...تجاوز عمرك الخمسين ولم تتزوج حتى الان ...وها أنت ذا وحيدا لا تملك الا هذا المنزل القديم المعزول ...وهذا المعمل المتهالك انى لأخشى أن يتهاوى على رأسك مرة ." ...قلت هذا وأنا أرفع رأسى لأعلى وأدور به ملوحا بيدى الى جدران المكان وسقفه...
تابعت حديثى له وقد أطرق هو وشعرت أن كلماتى قد أثرت فيه مما شجعن على الاستطراد قائلا : (لقد نحل جسمك وبرزت عظامك واأصبحت شاحبا ...لقد تحولت الى شبح...ان الناس يخافون منك ولولا معرفتى بك جيدا وحبى لك وادراكى انك شخص طيب لوليت منك فرارا ولملئت رعبا."
قال لى بلهجة حادة جادة "اسخر كما يحلو لك الى ان أثبت لك وللعالم صدق كلامى ...اننى الان فى المرحلة الاخيرة ...وهذه التى أمامك _وأشار الى الى شىء عجيب غريب يشبه كرة ضخمة سوداء ...لها باب أحمر "هذه هى" الة الزمن". ..انها تعمل ...المشكلة التى اواجهها الان هى انى لا استطيع التحكم فى الزمن الذى أريد ان أذهب اليه "
شعرت بالفضول فقلت له :"هل يمكننى أن أراها من الداخل ؟" فقال لى:" بالطبع يا صديقى " ...وتقدم الى الباب الأحمر وضغط عليه فاختفى الباب رويدا رويدا فى جسم الكرة ولم أملك الا أن أفتح فمى وأنا أحدق فى الالة ...واقتربت منها فقال لى: "ادخل واجلس على هذا الكرسى"...دخلت فشعرت بالهدوء و الذهول وأنا أتأمل هذه الأزار الكثيرة وأشياء تشبه تروس صغيرة ودفة كالتى تدار بها السفن ..
قال لى" ذاك الزر على اليمين اضغطه" ولم أكد أ ضع أصبعى عليه حتى سمعت صوتا موسيقيا عجيبا وخرج من الكرسى الذى أجلس عليه ذراعان أحاط أحدهما بخصرى وأحاط الاخر بصدرى ...شعرت بالرهبة ...ولكن الفضول دفعنى لان أسأله "ولكن كيف يمكن أن أسافر عبر الزمن ؟"
أشار الى شاسة كبيرة عليها ذران أحدهما أصفر اللون والاخر أحمر وقال"هل ترى هذين الذرين ...الاصفر ينقلك للماضى ...أما الأحمر فهو للمستقبل أما الأزرار التى فى الأسفل فأنها تحدد لك الزمن الذى تريد أن تذهب اليه ومن خلالها يمكنك العودة ...و المشكلة فى هذه الأزرار ..فالحق أقول لك ..لقد أجريت التجربة عل أحد كلابى فحاولت أن أنقله الى 300 سنة مضت ولكن الالة نقلته الى 800 سنة مضت ولم أنجح فى اعادته "
بلغ انفعالى ذروته وأنا أكاد لاأصدق ...اشار الى جهاز صغير وأمسكه فى يده وهو يقول "هذا هاتف زمنى يمكن للذى يحمله فى أى زمن أن يتصل بى ويحدثنى من خلاله "...ثم اشار الى جهاز اخر موضوع فى المعمل .وهذا هو جهاز الاستقبال."
اشتدت حيرتى وزاد فضولى واناأقول "اريد أن أجرب هذا الجهاز"فقال فى جزع "لا لا ..لا يمكنك ..أنا أخشى عليك "...قلت "دعنى أجربه" ...قال "المشكلة فى هذه الازرار التى لا تعمل بكفاءة ...
مددت يدى الى زر اقفال الباب وفيلون يصيح "لا ...لا يا صديق انك الشخص الوحيد لى فى هذا العالم ...بالله عليك لا تتركنى أر...."كان الباب قد أقفل ...مددت يدى الى الزر الأصفر فاشتعلت الشاسة أمامى ...راحت أناملى تكتب 573 ميلادية ...لم أكد انتهى حتى امتلأت الالة بدخان كثيف ...سعلت فى شدة ثم بدا وكأن الالة تحولت الى غواصة أو مركب يسير ضد تيار عنيف جارف ... ذادت سرعتها بطريقة غريبة ...على الشاسة بدأت الاعوام تتناقص وتتناقص فى سرعة عجيبة تدريجيا وصلت الى درجة لم استطع رؤيتها ونظرت عبر زجاج الالة ...لم أر الا ضبابا به فقاعات سوداء تمر فى ذات السرعة المتدرجة الا أننى لم أسنطع رؤية أى شىء الا ضوء وردى با وكأن الالة تسبح فيه
أحسست أن الالة تهتز فى قوة وعنف...نظرت الى يدى فلم ارها ... نظرت الى جسمى كنت قد اختفيت تماما ...اشتد رعبى وفزعى ..وشعرت وكأن قلبى يغوص فى بئر عميقة..سحيقة ...حاولت اأن اوقف الالة ...لكنى لم أكن أراها ولا أرى أزرارها ...مددت يدى أمامى أتحسس فى الفراغ ..وفجأة اهتز المقعد الذى كنت أجلس عليه فى عنف ووجدت نفسى أطير و أسقط من الالة على فرع شجرة ضخم ولا زال صوت فيلون يتردد فى رأسى "لا يا صديقى ..أنا لا يمكننى أن افقدك أنت صديقى الوحيد فى هذا العالم "..نظرت حولى .كنت أشعر بالألم فى عينى وكل أجزاء جسمى ...كان قرص الشمس كبيرا أكبر من حجمه الان ...هناك غيوم حمراء بلون الدم تمر فى سرعة مخيفة وكأنها تفر من وحش مجهول ...شعرت بالحرارة الشديدة تنبعث من قرص الشمس الضخم ..تذكرت انى قرأت رقما على الشاشة 2000 سنة قبل الميلاد.......هناك فى أعمق أعماق التاريخ سقطت ...لم يكن هناك بنايات ولا شوارع ...لم يكن هناك طرق ولا سيارات ولا مصانع ...كانت تغطى الأرض مساحات شاسعة من الغابات والاشجار التى تعيش فيها أنواع مختلفة من الوحوش والطيور المفترسة والحشرات والزواحف الضخمة وكان يعيش فيها الانسان ..يعيش مثل السباع والوحوش ...وكان عليه أن يقاتل ويناضل من أجل البقاء ...وفى قلب هذه الغابات الكثيفة سقطت أنا من الة الزمن على فرع الشجرة الضخم......كانت هناك وسط الغابات مساحة دائريةكبيرة خالية من الأشجار تتوسطها بركة من الماء ...بالقرب منها ظهر ادمى ...راح يتلفت حوله فى حرص وحذر ...ظهر من خلفه ادمى اخر يبدو أنه أنثى ...كان للادمى وأنثاه منظرا مثيرا عجيبا ..ارتفاع يزيد عن المترين ..جسد قوى يلمع تحت أشعة الشمس ...شعر طويل متناثر على الوجه والصدر ...
تقدم الادمى ثم أشار بيده اشارة ذات مغزى فتوقفت الأنثى وهى لا تزال تنظر حولها فى حرص ثم أخذا يتراجعان فى خفة عجيبة حتى اختفيا... من مكان اخر برز حيوان يشبه الجاموس البرى وخلفه صغيره وتقدم فى حرص الى بركة الماء ...ولما اطمأن الى خلو المنطقة من الوحوش مال برقبته ومد رأسه الى الماء ليشرب و...وفجأة رفع رأسه و هو يهم بالفرار عندما انقض عليه الادمى وأنثاه بغصن قوى مدبب من الأمام ...ظهر مع الادمى وأنثاه ثلاثة اخرون ...يبدو انهم أطفالهما ...كان منظرهم جميلا جذابا ..عيون واسعة لامعة ..أسنان قوية بيضاء ...بنية متينة قوية بالرغم من الجسدالغض الذى يميل الى السمرة وفى يد كل منهم غصن صغير مدبب ...وأحاط جميعهم بالحيوان الذى ما زال يحاول الفرار بالرغم من الغصن المدبب الذر انغرس قريبا من عنقه وخلفه صغيره ...وفى خطة تكتيكية أفسح الجميع مكانا واحدا يسمح للحيوان بالفرار ...وانطلق الحيوان يجرى ولكنه ما كاد يتوغل بين الاشجار حتى سقط فى حفرة عميقة كانت مغطاة بفروع وأوراق الشجر وصغيره على شفا الحفرة يتطلع اليه فى حيرة ...
اطلق الادميون صيحات غريبة تنم عن فرحة النصر وهم يحيطون بالحفرة وقد أمسكوا بالحيوان الصغير ثم ربطوه من رقبته بحبل مفتول من الحشائش القوية ...لم تمض لحظات حتى كان الحيوان على شاطىء البركة مفتوح البطن ومفرغ الأمعاء يقطعون لحمه وصغيره مربوط فى جزع الشجرة ينظر اليه وهو لا يكاد يصدق ما يحدث لأمه التى كانت منذ لحظات تمرح وترعى بين الحشائش والاشجار وهو خلفها تارة يبتعد عنها وتارة يقترب منها ولكنه لا يفارقها وعندما تقف يمد رأسه الى ثدييها ليرتشف من لبنها ..
ويبدو ان القدر يأبى أن يهنأ الأدمى بفريسته فلقد تناهى الى المسامع زئير قوي اهتزت له أشجار الغابة ونباتاتها الصغيرة ...فجأة ظهر أسد قوى وقد جذبته رائحة الدم الى المكان ونهض الادمى وأنثاه وهو يبحث بنظره عن غصنه المدبب على حين انسحب الصغار من المكان ...تقدم الأسد وهو يحدق فى الرجل الذى تقدم بدوره منه وهو يبادله نفس النظرات فى تحد وحذر من خلف خصلات الشعر التى تتدلى على وجهه ...وتوقف الأسد وهو ينظر بين الرجل والأنثى والفريسة وقرر أن ينسحب ولكن الجوع يكاد يقتله ورائحة الدم تشجعه على المخاطرة ...وهنا ظهر أسد أخر جعل الرجل وأنثاه يقتربان من بعضهما وكل منهما ينظر فى اتجاه أحد الأسدين ...كان منظرا أسطوريا عجيبا ...ادميان فى ابعد أعماق التاريخ يففان فى مواحهة أسدين قويين بسلاح بدائى ...ولكنهما كانا يملكان القوة الجسدية والمهارة فى مواحهة الوحوش وصيد الفرائس ...اعتصر كل منهما سلاحه البدائى وهو يستعد لرفعه ...وفجأة ...وفى توافق عجيب انقض الوحشان على الادميين . انقضاضا قويا ناحجا ...وهنا أظهر البشربان مهارة فائقة ...فاقت أمهر العروض السينمائية فى أفلام الأكشن والاثارة ...لقد مال كل منهما فى اتجاه مخالف ...ليتفاديا انقضاضة الأسدين ثم قفزا معا وهما يرفعان سلاحيهما البدائيين و ينقضان بهما على رأسى الوحشين ...كانت الضربتان قويتين ...أصابتا الحيوانين بين عيونهما ...أحد الأسدين فقأت عبنه واندفعت الدماء منها فى غزارة ...سقط الأسد على وجهه وهو يحاول أن يستدير فى قوة ليفر من ضربة قوية كادت تصيب ظهره وتحطم عظامه ...وتراجع بعيدا ...
هجم الاخر على الأنثى التى حاولت أن تميل وتقفز ولكن مخالب الأسد أصابتها فسقطت وانقض عليها الأسد فى قوة وهو يحاول أن يمزق جسدها بمخالبه القوية وصرخت الأنثى فى قوة وألم عندما انقض الأسد بأنيابه على رقبتها فى نفس اللحظة التى اندفع الرجل بالغصن المسنن الى الأسد فى قوة ورفع الأسد رأسه وهو يحاول أن يلتفت اليه الا أن الرجل طار فى الهواء وسقط على الأسد واخترق رمحه ظهر الأسد فى عنف وزأر الأخير فى ألم وحاول أن يبتعد الا أن الرجل تعلق من الخلف بالرمح المغروز فى ظهر الأسد وراح يدق عليه بقبضته القوية حتى نفذ من بطن الأسد الذى سقط صريعا وهو يلفظ أنفاسه ... استدار الرجل ليواجه الأسد الاخر الا أنه كان قد فر من المكان بعينه الوحيده والأخرى التى فقأت وما زالت الدماء تتدفق منها ......
..
وهنا ظهر الأطفال وأحاطوا بالأم الملقاة على الأرض والدماء تسيل من صدرها ورقبتها فى غزارة وركع الرجل على قدميه وهو ينظر الى الأنثى فى حزن وذهول ...كانت أنفاسها تتلاحق وصدرها يعلو ويهبط ...ولم يلبث أن حملها الرجل بين الأغصان وأرقدها فى مكان معد مريح والأطفال يتطلعون الى الأم فى حيرة ...
مال الرجل بوجهه الى الأنثى وراح يتمسح بها ولكنها لم تتحرك كما تعود ...وقف وراح يدور حولها ثم يصعد الأشجار منتظرا أن تلحقه...راح يصدر أصواتا عجيبة ولكنها كانت تحدق فى السماء أو فى الأغصان ...دون حراك ...انسحبت الشمس وبدا القمر كبيرا عن حجمه الان وراح الرجل يتحسس جسد أنثاه وهو يتعجب من هذه البرودة التى تنبعث من جسدها ..
كان جسدها دائما دافئا يشع منه الدفء حتى فى أشد الأوقات برودة وصقيعا ...مضى وقت والرجل يرقب جثتها التى بدأت تترمم وتنبعث منها رائحة كريهة جعلته يبتعد عنها وهو يشعر بالخوف .....
وفجأة نظر الى أولاده الثلاثة ولاحظ أن احدى الفتيات قد استطالت قامتها وأكتملت أنوثتها فاقترب منها وراح يتمسح بها...