السبت، 31 أكتوبر 2015

قطوف دانية...... بقلم / صلاح جاد سلام.......صفوة الكُتَّاب العرب

قرأت ( نهج البلاغة ) لجدى الإمام على كرم الله وجهه ، مع ما دوّن من خلافات بين المحققين فى نسبته إليه ،
ومهما يكن من الأمر ،،
فقد رأيت أن أبحث فى تراث أمير المؤمنين الفاروق أبى حفص عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، مما قاله من مأثورات المواعظ والحكم القيمة ، فوجدت تراثا ثريا عظيما يتسم بالفصاحة والبلاغة ، والبيان العربى الجلى . جديرا بجمعه وتحصيله على غرار ( نهج البلاغة ) ،،
فصنفت مصنفا ، أحمد الله تعالى على التوفيق إليه ،،، عنوانه :
(( من أقوال الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه البليغة ،، علي غرار نهج البلاغة للإمام علي كرم الله وجهه )) ،،
وقبيل أن نعرض هذا يجدر بنا أن نسجل شذرات من ترجمته رضى الله عنه وارضاه :
• هو الفاروق أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي . وفي كعب بن لؤي بن غالب يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم . أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية .
• جده نفيل بن عبد العزى ممن تتحاكم إليه قريش .
• ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة .
• كان عمر من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة ، فهو سفير قريش، إن وقعت حرب بين قريش و غيرهم ـــ وقلما وقعت ــ بعثوه سفيرا.
• تزوج و طلق عدة نساء في الجاهلية و الإسلام ، و له ثلاثة عشر ولدا.
تزوج من زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، تزوجها فى الجاهلية في مكة، ثم أسلما وهاجرا معا إلى المدينة ، ولدت له حفصة أم المؤمنين رضى الله عنها وأرضاها وعبد الرحمن وعبد الله ،
و تزوج من (مليكة) بنت جرول الخزاعية،
تزوجها في الجاهلية ، فولدت له زيدا و عبيد الله، ثم طلقها عقب صلح الحديبية ، من بعد نزول قوله تعالى { ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة ،
وتزوج من قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومى، أخت أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها وأرضاها ، وبقيت قريبة على شركها ، وقد تزوجها عمر في الجاهلية، فلما أسلم ، بقيت هي على شركها زوجة له، حتى نزل قوله تعالى { ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} . الممتحنة 10 ،، عقب صلح الحديبية، فطلّقها ، ولم يرد أنها ولدت لعمر.
وتزوج من جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأوسية الأنصارية ، وهي أخت عاصم بن ثابت ، ولدت له ولدا واحدا ، هو عاصم ، ثم طلقها عمر. فتزوجت بعده زيد بن حارثة ، فولدت له عبد الرحمن بن زيد بن حارثة ، فهو أخو عاصم بن عمربن الخطاب .
وتزوج من عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي، أخت سعيد بن زيد ، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولدت له ولدا واحدا هو عياض بن عمر ، وكانت عاتكة زوجة لعبد الله بن أبي بكر من قبل عمر، ثم تزوجت من الزبير بن العوام بعد استشهاد عمر.
وتزوج من أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم، كانت تحت عكرمة بن أبي جهل ، فقتل عنها في معركة اليرموك شهيدا ، فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص ، فقتل عنها يوم مرج الصفر شهيدا ، فتزوجها عمر بن الخطاب ، فولدت له فاطمة بنت عمر، و إختلفت الأقوال في طلاقه لها .
ثم تزوج من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضى الله عنه ،
تزوجها وهي صغيرة السن، وذلك في السنة السابعة عشر للهجرة، وبقيت عنده إلى أن استشهد ، وهي آخر أزواجه ،،،
ونقل الزهري وغيره أنها ولدت لعمر زيد ورقية.
و تزوج امرأة من اليمن يقال لها لهية ، فولدت له عبد الرحمن الأصغر.
• أسلم عمر رضى الله عنه في ذي الحجة من السنة السادسة من النبوة ، و ذلك بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام ، وكان ترتيبه الأربعين في الإسلام.
• لم يهاجر أحد من المسلمين إلى المدينة علانية إلا عمر بن الخطاب ،
• شهد جميع المواقع و الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
• توفي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد أن وصى للخلافة بعده لعمر بن الخطاب .
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمر بن الخطاب ، يمدحه ويثنى عليه : " لم أر عبقريا يفري فريه " .
وكان عمر رضى الله عنه صاحب أوليات كثيرة متنوعة ،، منها :
• أول من أشار بتأخير مقام ابراهيم .
• أول من عمل توسعة للمسجد الحرام في العصر الإسلامي. .
• أول من عمل توسعة للمسجد النبوى في العصر الإسلامي .
• أول من وضع تأريخا للمسلمين ، و اتخذ بدايته من هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
• أول من عسَّ في الليل بنفسه ، ولم يفعلها حاكم قبله ، ولا يعلم أحد عملها بانتظام بعد عمر .
• أول من اتخذ الدرة ( عصا صغيرة ) و أدّب بها .. حتى قال بعض الصحابة رضى الله عنهم جميعا : و الله ،،، لدرة عمر أعظم من أسيافكم ، و أشد هيبة في قلوب الناس .
• أول من ابتدع صلاة التراويح فى جماعة .
• أول من أجلى اليهود من الجزيرة العربية إلى الشام.
• أول من مصر الأمصار .
• أول من دون ديوانا للجند ، لتسجيل أسمائهم و رواتبهم .
• أول من حدد مدة غياب الجنود عن زوجاتهم ( 4 أشهر).
• أول من عقد مؤتمرات سنوية للقادة و الولاة و محاسبتهم ، و ذلك في موسم الحج .
• أول من أحصى أموال عماله و أمرائه وولاته ، وطالبهم بكشف حساب أموالهم ( من أين لك هذا ؟ ) .
• أول من أمر أمراءه بموافاته بتقارير مفصلة مكتوبة عن أحوال الرعية فى الأمصار .
• أول من مهد الطرق ، و قال : ( لو عثرت بغلة فى العراق لسألنى الله تعالى عنها : لم لم تمهد لها الطريق يا عمر ) .
• أول من أسقط الجزية عن الفقراء والعجزة من أهل الكتاب ، فأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال .
• أول من أعطى فقراء أهل الكتاب من بيت مال المسلمين .
• أول من أمر بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب على حسب المستوى المعيشى ،،، وجعلها ثمانية وأربعين درهمًا على الأغنياء، وأربعة وعشرين على متوسطي الحال، واثني عشر درهمًا على الفقراء.
• أول من منع هدم كنائس النصارى فى الأمصار .
• أول من أتخذ دار الدقيق ( التموين ) .
• أول من جعل الخلافة شورى بين عدد محدد .
• فتحت في عهده بلاد الشام والعراق وفارس ومصر وبرقة وطرابلس الغرب وأذربيجان ونهاوند وجرجان ،،، وبنيت في عهده البصرة والكوفة.
وفاته شهيدا :
فى صلاة الفجر من يوم الأربعاء السادس والعشرين من ذي الحجة سنة (23هـ) طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر، ثم طعن نفسه ،، ومن ثم تحققت أمنية الفاروق أن يموت شهيدا ،
ودفن في قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم والصديق أبي بكر رضى الله عنه وأرضاه .
وهذه بعض مقتطفات من أقواله :
• عن إسماعيل بن قيس، قال:
لما قدم عمر الشام، استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا:
يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونًا، يلقاك عظماء الناس ووجوههم.
فقال: لا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا، (وأشار بيده إلى السماء) ، خلوا جملي.
ينسب لعمر الفاروق رضى الله عنه بضع عشرة كلمة ،، حكمٌ كلها ،
منها :
• ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ،
• ولا تظنّن بكلمة خرجت من مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملاً ،
• ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن ،
• ومن كتم سره كانت الخيرة في يده ،
• وعليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعدة في البلاء ،
• ولا تسأل عما لم يكن ، فإن فيما كان شغلاً عما لم يكن ،
• ولا تطلبنّ حاجتك إلى من لا يحب نجاحها لك ،
• وذل عند الطاعة ،
• واستعصم عند المعصية ،
• واستشر في أمرك الذين يخشون الله ، فإن الله تعالى يقول :
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } ،
أخرجه الخطيب البغدادي وابن عساكر
• كتب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي الوقاص رضي الله عنه :
يا سعد ، إن الله إذا أحب عبداً حببه إلى خلقه ، فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس ، واعلم أن ما لك عند الله مثل ما لله عندك . آهـ
• جاء فى كتاب ( الأخبار الموفقيات ) للزبير بن بكار رحمه الله :
عن عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ :
دَخَلَ فُرَاتُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ ، وَكَانَ يَبْخَلُ ، وَكَانَ مِنْ أَلِبَّاءِ الْعَرَبِ ، وَذَوِي الْعِلْمِ وَالرَّأَيْ ، فَوَجَدَ عُمَرَ يُعْطِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ ، فَقَالَ لَهُ : فُرَاتُ ، مَنِ الَّذِي يَقُولُ :
الْفَقْرُ يُزْرِي بِالْفَتَى فِي قَوْمِهِ *** وَالْعَيْنُ يُغْضِيهَا الْكَرِيمُ عَلَى الْقَذَى
وَالْمَالُ يَبْسُطُ لِلَّئِيمِ لِسَانَهُ *** حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَرَى
وَالْمَالُ جُدْ بِفُضُولِهِ وَلْتَعْلَمَنْ *** أَنَّ الْبَخِيلَ يَصِيرُ يَوْمًا لِلثَّرَى
قَالَ : لا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، غَيْرَ أَنِّي عَرَفْتُ أَنَّ أَخَا بَنِي ضُبَيْعَةَ أَشْعَرُ النَّاسِ حَيْثُ ، يَقُولُ :
وَإِصْلاحُ الْقَلِيلِ يَزِيدُ فِيهِ *** وَلا يَبْقَى الْكَثِيرُ مَعَ الْفَسَادِ
فَقَالَ عُمَرُ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الحشر 9 أَفْضَلُ .
قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
{ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } . الإسراء 27 ،
قَالَ عُمَرُ : فَبَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ،،
يَا فُرَاتُ ، اتَّقِ اللَّهَ ، وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكِ مَا أَنْفَقْتَ .
يَا فُرَاتُ ، أَطْعِمِ السَّائِلَ ، وَكُنْ سَرِيعًا إِلَى دَاعِي اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ وَأَهْلَهُ ، وَإِنَّ الْبُخْلَ بِئْسَ شِعَارُ الْمُسْلِمِ .
يَا فُرَاتُ ، أَتَدْرِي مَنِ الَّذِي يَقُولُ :
سَأَبْذِلُ مَالِي لِلْعُفَاةِ فَإِنَّنِي رَأَيْــــــــتُ الْغِنَى وَالْفَقْرَ سِيَّانِ فِي الْقَبْرِ
يَمُوتُ أَخُو الْفَقْرِ الْقَلِيلُ مَتَاعُهُ *** وَلا تَتْرُكُ الأَيَّامُ مَنْ كَانَ ذَا وَفْرِ
وَلَيْسَ الَّذِي جَمَّعْتُ عِنْدِي بِنَافِعٍ *** إِذَا حَلَّ بِي يَوْمًا جَلِيلٌ مِنَ الأَمْرِ
قَالَ : لا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ : هَذَا شِعْرُ أَخِيكَ قَسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ .
قَالَ : مَا عَلِمْتُهُ .
قَالَ : بَلَى هُوَ أَنْشَدَنِيهِ ، وَعَنْهُ أَخَذْتُهُ ، وَإِنَّ لَكَ فِيهِ لَعِبْرَةً .
قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَفَّقَكَ اللَّهُ وَسَدَّدَكَ ، أَمَرْتَ بِخَيْرٍ وَحَضَضْتَ عَلَيْهِ ، وَتَرَكَ فُرَاتٌ كَثِيرًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ . آهـ
• حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُغِيرَةِ ،عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:
أَذِنَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ برَاقَةَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا يَعْرُجُ ، فَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا ، يَقُولُ فِيهَا :
مَا إِنْ رَأَيْتُ مِثْلَكَ الْخَطَّابِي
أَبَرَّ بِالدِّينِ وَبِالْكِتَابِ
بَعْدَ النَّبِيِّ صَاحِبِ الْكِتَابِ
قَالَ : فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَطَعَنَهُ بِالسَّوْطِ : " فَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ " ؟
قَالَ : لا عِلْمَ لِي بِهِ .
فَقَالَ : لَوْ كُنْتَ عَالِمًا بِهِ لأَوْجَعْتُ ظَهْرَكَ . آهـ
• وقال رضى الله عنه وأرضاه :
كلّ يوم يقال : مات فلان وفلان ،،
ولا بد من يوم يقال فيه : مات عمر .
• وقال :
لو نادى مناد من السماء : أيها الناس ، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحد..
لخفت أن أكون هو .
ولو نادى مناد : أيها الناس ، إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحداً ..
لرجوت أن أكون هو .
فرضى الله عن أبى حفص عمر بن الخطاب ،،
وسلام عليه فى الخالدين .
ويحسن ويطيب فى كل حال وحين الحمد لله رب العالمين .