حينما نخلو بأنفسنا ونسترجع ذكرياتنا نقول سلام أيها الشباب الذاهب لقد كنت
لنا ميدانا فسيحا للأمال والأحلام ، وكنا نطير فى أجوائك البديعة الطلقة
غادين رائحين ، طيران الحمائم البيضاء ، فى أفاق السماء ، لا نشكو ولا
نتألم ، وكنا نعتقد أن فى العالم هموما وألاما ، وكان كل شيئ فى نظرنا
جميلا ، وأما اليوم وبعد أن هدأت أنفسنا من ثورتها وجماحها ، أصبحنا سمحاء
كرماء ، لا نبغض أحدا ، ولا نحقد على أحدا ، ولا نقابل ذنبا بعقوبة ، ولا
اساءة بمثلها ، وكأننا نقول فى أنفسنا : ما لنا وللعالم ولما يحوية من خير
وشر ، ونحن مفارقوة مفارقة وشيكة ، ان لم يكن اليوم فغدا ، وما زلنا نتحدث
عن الماضى أكثر من الحاضر ، لا لأن الأول أجمل من الثانى ، بل لأن الشبيبة
أجمل من الشيبة والشيخوخة ، فلقد بدأنا فى الأنحدار من قمة هرم الحياة الى
جانبها الأخر ، فقد احتجب عنا كل شيئ ولم يبق بين أيدينا مما نفكر فية
الا أن نعد العدة لتلك الساعة الرهيبة التى ننحدر منها الى قبورنا ، فى
ماضينا وشبابنا الراحل كنا كل ما نفكر فية أن نشيد لنا بيتا جميلا ، نعيش
فية عيش السعداء الأمنين المطمئنين ، فى مدينة الأحياء ، أما الأن فأصبحنا
وكل ما نفكر فية أن نبنى لنا قبرا بسيطا يضم رفاتنا ، فى مدينة الأموات ،
قال رسول الله صلى الله علية وسلم فى الحديث الشريف " أعمار أمتى مابين
الستين والسبعين " وها نحن قد وصلنا الى قمة الهرم ... فوداعا ياعهد
الشباب ، فقد ودعنا بوداعك الحياة ، وما الحياة الا تلك الخفقات التى
يخفقها القلب فى مطلع العمر .
