الأحد، 27 مارس 2016

حفيديَ آدَم........... لــــــ القدير / محمد رشاد ........صفوة الكُتَّاب العرب ·

حفيديَ آدَم
(في عامِهِ الأوَّل)
شَرَعتُ في نظم هذه القصيدة وبي ضَرَبانٌ مُلِحٌّ مُوجِعٌ بأعلَى الكتِف ، ولم أكَد أقطَعُ منها أبياتًا حتَّى استَشرَى فتسَرَّبَ إلى الظَّهر ، فشَبِّ ضِرامًا حَولَ الوَسَط ما عُدتُ أملكُ في قَبضَتِهِ أن أنصبَ ظهرًا أو أقَرَّ على مَقعَد .. وكنتُ وأنا طريحُ الفِراشِ ، أتَشَحَّطُ في سَيَّالٍ من العَرَقِ وتعتادني رِعدَةٌ مِنْ وَقدِ الحُمَّى ، يَلِحُّ على خاطِري البَيتُ وإنَّ صَوتَ الصَّغيرِ لَيَتأدَّى إلى سمعي مِن بعيدٍ ، فلا يَدَعُني حتَّى أَخُطَّهُ دونَ أنْ أتَبَيَّنَ رَسمَهُ ، حتَّى إذا قارَبتُ الإبلالَ دَبَجتُها على ذلكَ النَّحو ، فما كانَ فيها مِنْ تَقريبٍ ؛ فمَرجِعُهُ إلى سبوغِ العافِيَة ، وما كانَ فيها مِن تَخليطٍ فَمَرَدُّهُ إلى التِهابِ العَصَب ودُفَّاعِ الأَلَم وضِرامِ التَّوَجُّع .
حفيــــديَ آدَمُ نَــفْـــــحُ السَّـمــــاءْ
وفَيـْـــــــضُ المَسَـرَّاتِ ذَودُ الشَّقــاءْ
حُبيـــتُ بِـــــــــهِ مُقْـصَـدًا لِلـــوَداعِ
فَـدَفَّـقَ مَسـرَى الهـشيـــمِ العَـزاءْ
أُبــادِلُـــــهُ الشَّــوقَ مَــــا بَثَّنيــــهِ
وأفهَـــــمُ عَنْــــــــهُ إذا قَــــــــالَ آءْ
ويَنْــــــطِقُ لا عَـنْ جَلِـيِّ الحـروفِ
ولَكِــــــنْ لَـــــهُ مَنْـطِـقُ الأصفيــَاءْ
يُنـادي " مهَـمَّـد " قُبَيْــلَ الفِـطامِ
بِعَيـْــنَـيَّ والقَلــــبِ ذاكَ النِّـــــداءْ
كأنَّـــا نَجِيَّــــــانِ صَفـــــوًا بِصَفْـــوٍ
بِــلا كُلـــفَةٍ أو قَــصًى أو جَفـــــاءْ
يُنــاوِلُني الـــــــرَّاحَ مِـنْ والِدَيْــــهِ
ويَمْحَضُني الودَّ محضَ الإخَـــــــاءْ
فألــــثُمُ خَدَّيــــهِ طَلـــقَ المُحَيَّـــا
وأُزجي لَهُ الصَّدرَ جَهْــمَ الـرُّغـــاءْ
وأنشَى لِرَيَّـــاهُ ضَوعَ الـزُّهَيْـــــــرا
تِ يَرْفَضُّ عنهــا النَّدَى والزُّهَــــاءْ
تَرِفُّ على مَسبَـــحٍ مِنْ طُيــــوبٍ
ويَشدو لهـا الطَّيْــرُ عذبَ الغِنـــاءْ
ويَبــسَمُ تَنـْـــداحُ عنْـــهُ التَّـــعِلَّا
تُ في مَأزَمِ الهَمِّ فِيـحَ الــرَّجـــاءْ
لَهَـــا سَرْحَةٌ في عَصيـبِ البَلِيَّــا
تِ تَنجابُ لا عَنْ جَوًى أو شقَــاءْ
ويَضحَكُ نُـحْ يـا صُداحَ الـمُـرِنَّــــــا
تِ بُخْ حَالِيَ الأَيـكِ عِنْـدَ المَـساءْ
وأعيَـــا إذا مـــا بَــكَى غَيــــرَ دارٍ
لَدَى الوَجْدِ مَــا هَــاجَهُ لِلـــبُكــاءْ
أجوبُ بِـهِ البَيْـــتَ فِتْــــرًا بِفِـتْـــرٍ
على عاتِقٍ قَـــدْ عَـرَاهُ العَيَـــــــاءْ
مسوقًا مسَاقَ المَطِيَّـــاتِ لا يَـــرْ
تَضِي حَوْمَةَ الطَّوفِ حتَّى العَنــاءْ
فــإِنْ آدَنِــي ذُدتُـــهُ غَيْــرَ سَـــاهٍ
فَـأعْــوَلَ حتَّـى حَــــراهُ البُـــــكاءْ
يُــرَاوِحُ بالخَطوِ مَشيَ الهُوَيــنَـى
على إثرِ (تاتا) جَهيــدَ المَشَــــاءْ
يُزَوْزِي ويَخطـو خُطًى لِلـمَليــــكِ
تَهادَتٍ بِــــهِ مِسحَـــةُ الكِبريـَــاءْ
وإنْ هَـــمَّ عَــنْ عثْــــرَةٍ بالقِيَــامِ
تهاوَى إلى الأرضِ مهوَى الــدِّلاءْ
يَــزِفُّ إلى فِيـــهِ مَـــا يَلــتَـقِيـــهِ
حصًى أو نَـقًا أو كُـدًى أو لَفَــــاءْ
ويَلـهَـــجُ بِالــشَّيءِ قـَــدْ يَختَـليهِ
ويَنْبــُو عَنِ الشَّيءِ جَمِّ الغنَـــــاءْ
يُمَصْمِصُ بِبـرونَـــهُ باشْتِهَــــــاءٍ
فِإنْ مَلَّــــهُ مَجَّــهُ كيْــفَ شَــــاءْ
وَيُـــرْدِفُ باللَّـــقْمِ (مَمًّــا بِمَـــمٍّ)
بلا شبـــعَةٍ بَعْـــدَ جَهْــــدِ البلاءْ
ويَلــزَمُ زُعْبـوطَهُ في الصُّلَيَّـــــــا
ويَنْبُــــذُهُ عِنْـــــدَ قَرِّ الشِّتَــــــاءْ
ويُولِي الــدُّمَى وامِقًـا هَمْهَـمَاتٍ
ويُوسِعُهَا الرَّكْــلَ دونَ اقْتِــــضَاءْ
ويَغفو فَـلا البَدرُ رَسْلٌ سنَــــــاهُ
يُهَــلهِــلُ بالنُّـورِ لُحْفَ الطَّخَــــاءْ
ويَصحو إذا داعَبَـتْ هَـــفْهَــفاتٌ
رُؤاهُ ورَاهَـــاهُ نَفْـــحُ الهَــــــــواءْ
أَكَـــادُ أُجَـــنُّ إذا مَــــا عَــــــرَاهُ
مِنَ الوَقْــدِ لَفحٌ عَصِيُّ البَــــــرَاءْ
وإنْ أنَّ هَــاجَ الشَّجَى مِنْ شَقاهُ
نُــزَاءَ الحَنَـايا وَوَهْــــجَ الــــرِّثــاءْ
ويَنـْساقُ في دلِّـــهِ إذْ أفـــاءَتْ
عَلَيــْــهِ يَـــدُ اللَّـــهِ بَردَ الشِّفاءْ
يُضَــرِّمُ مِــنْ عَـضِّهِ أنْمُــــــلاتٍ
تَضَجَّــرُ مِنهـَــــا مُشاشٌ طِــرَاءْ
ويَرقُشُ مِـنْ فَنِّــــهِ خَرْبَشَــاتٍ
علَى الوَجْهِ لَكِـنْ بِلَونِ الـدِّمـَاءْ
ولـوْلا اصْطِخابٌ لَـهُ كالهَــــريــرِ
لَمَـا لاحَ شَخْصُ لَــــهُ بِالفَـضَاءْ
سَألتُ لَــهُ اللَّــهَ سَعْـدَ الرَّضِيِّ
ورَوْحَ الخَلِـيِّ وسَـرْحَ الثَّــــــرَاءْ
وأنْ يُلهِمَ الخَطوَ مِنْــهُ الـرَّشادَ
ويَجْنُبَــــهُ كَبْــــوَةَ الأشْـقِيَــــأءْ
(محمد رشاد محمود)
................,...........................
رَغا الصَّبيُّ رُغاءً : بكَى أشَدَّ البكاء . الزُّهَاء : إشراقُ النَّبْت .
المُرِنَّات : الصَّائِحات .
الفِتْر (بكسر الفاء) : ما بَينَ طَرَف الإبهام وطَرَف المُشيرَة ، والمقصود : كلُّ مساحَةٍ من البَيت . آدَني : أجهَدَني . ذُدتُهُ : دَفَعتُهُ . أعوَلَ : رفَعَ صوتَهُ بالبكاء والصياح .
حَراهُ : أحرَقَ حلقَهُ وصَدرَهُ ورَأسَهُ مِن الغَيظ والوَجَع .
زَوْزَى يُزَوْزِي : نصَبَ ظَهرَهُ وقارَبَ الخَطوَ . النَّقا : العَظْم .
الكُدَى : جمعُ (كُديَة) ، وهيَ الشَّيءُ الصُّلبُ بينَ الحِجارَة والطِّين .
اللَّفاء : التُّراب . يَختَليهِ : يَجُزُّهُ جَزَّ النَّبات ، والمعنى : يُعَرِّضُه لِلهلاك .
الصُّلَيَّا : مُقاساةُ الحَرِّ . الرَّسلُ : الطَّلقُ . الطَّخاءُ : السَّحابُ المُرتَفِع .
المَشاش : جَمع (مُشاشَة) ، وهيَ رأسُ العَظم المُمكِن المَضْغ .